هل يجب أن أمر بتجربة الآخر لأتعاطف معه؟

post Image>

ما هو التعاطف؟

للتعاطف تعريفات وأنواع مختلفة، يمكننا القول أن التعاطف هو مُشاركة الشعور مع الآخرين، وذلك يعني محاولة رؤية الأمور من وجهة نظرهم، وفهم مشاعرهم والإحساس بهم، والاستجابة لهم عاطفيًا، وهو ما يسميه النفسانيون بالمواجدة. ولا يقتصر التعاطف على المواقف الصعبة والحزينة، بل يتضمن مشاركة مشاعر الفرح والبهجة والمواقف السعيدة كذلك.  

لماذا التعاطف؟

يساعد التعاطف على تنظيم مشاعر الفرد وإدارتها وليس بالضرورة أن يكون موجهًا للآخرين فقط، أو أن يكون بنفس المستوى مع الجميع. ورد في الحديث الشريف وصف لترابط المجتمع المسلم: “مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى” رواه مسلم. فالتعاطف فضيلة إنسانية تعزز الروابط الاجتماعية، وتساهم في تخفيف معاناة الأشخاص أو احتواء فرحتهم، وهي أحد ركائز التواصل الفعال.

هل يجب أن أمر بتجربة الآخر لأتعاطف معه؟ 

قد تكون مررت بتجربة الآخر فيسهل عليك التعاطف معه لأنك تفهم إحساس التجربة، وقد تكون قادرًا على تخيل وإدراك شعوره حتى دون المرور بنفس التجربة. 

هل شعور التعاطف هو نفسه شعور الشفقة؟

غالبًا لا يحب الناس أن يشفق عليهم الآخرون، فالشفقة بمعناها الدارج تعطي إيحاءً سلبيًا، وقد تُعطي إيحاء بالفوقية، وقد تؤذي الكرامة، في حين أن التعاطف يعطي شعورًا بالاحتواء والدفء؛ أنني أتعاطف معك لأنني بشر مثلك، أحاول كما تحاول، ولست أكثر خبرة منك في التعامل مع الحياة، وأعلم كم هي ثقيلة المشاعر التي تمر بها. 

هل تعاطفي مع الآخر يعني أنني أؤيد فعله وأشجعه؟ 

ليس شرطًا، لأن التعاطف متعلق بالمشاعر والتجارب، وليس بالمنطق والأسباب، فعندما تتعاطف مع أحدهم، فأنت تشاركه شعوره وتستجيب له عاطفيًا، وليس بالضرورة أن تتفق مع أفكاره واختياراته وقراراته، يمكنك أن تتعاطف مع شعوره وأن تخالفه الرأي. 

كيف نرفع من قدرتنا على التعاطف؟

ربما من الأسهل بالنسبة لنا أن نتعاطف مع من نتفق معهم، ولكن ماذا إذا كنا نريد أن نظهر دعمنا وتعاطفنا لأشخاص لا نتفق معهم؟

 هذه بعض الأفكار المقترحة:

١- الحضور أولًا! 

حاول أن تكون حاضرًا مع الطرف الآخر وتترك ما بيدك وتُصغي له، وتتواصل بصريًا معه، وأن تكون لغة جسدك مرحبة، وتعابير وجهك داعمة، ونبرة صوتك غير حادة عندما تحاوره. 

٢- قليل من الفضول! 

حتى تفهم وجهة نظره وتتفاعل معه بتعاطف؛ حاول أن تفكر في سياقه وظروفه، ما هي الأحداث التي يمر بها حاليًا؟ ما الضغوطات التي عليه؟ ما التجارب التي مر بها سابقًا ولها علاقة بموضوعكم؟ كيف ينظر هو للموضوع؟ وبهذا يمكنك أن تتجنب إطلاق حكم سريع عليه خارج سياقه. 

٣- البحث عن أرضية مشتركة!

في الواقع عندما نتعاطف مع أحدهم، فنحن نبحث في داخلنا عن تجربة مشابهة، أو إحساس سابق بنفس الشعور، أو نتخيل لو كنا في مكانه، وهذا الاستناد على أرضية مشتركة يجعلنا نتواضع، ونتذكر أن الحياة مربكة وصعبة، وأننا جميعًا عرضة لاتخاذ قرارات ليست صائبة تمامًا، إنسانيتنا هي أرضيتنا المشتركة. 

٤- مخاطبة المشاعر! 

يمكنك أن تخاطب شعوره دون أن تقول له رأيك، وهذا لا يعني أنه لا يمكنك التعبير عن وجهة نظرك، لكن ربما ليس أي وقت هو وقت مناسب لإبداء الآراء، في الحقيقة يمكن أن يتقبل الناس رأيك أكثر إذا ما شعروا أولًا بتعاطفك وفهمك لهم. يمكنك أن تستخدم عبارات مثل: (هذه تجربة صعبة فعلًا، ليس من السهل التعامل مع هذا الموضوع، بالفعل هذا قرار صعب ومحير، من المتعب أن تمر بكل هذا لوحدك). 

هل تتذكر شعورك بالوحدة حين لم يتعاطف معك أحد؟

 –

كيف أتعاطف مع الآخرين دون أقرر نيابةً عنهم ما الذي هم بحاجة إليه؟ 

قد نشعر بأن علينا أن ننقذ الآخرين ونحل مشكلاتهم عندما نتعاطف معهم، وفي حين أن هذا ما يريده البعض، إلا أنه يمكن أن يثقلنا ويحملنا بمسؤولية ليست في مقدورنا، ويمكن أيضًا أن يزعج الآخرين، ويشعرهم أننا أوصياء عليهم، وأنهم غير قادرون على إدارة حياتهم. يمكنك أن تسألهم عما هم بحاجة إليه أولا؛ كيف بإمكاني مساعدتك؟ ماهو الشيء الذي من الممكن أن أقدمه لك؟ هل تحتاجي أهتم بالأطفال اليوم؟ وبذلك تطمئن أنك تحترم مساحتهم، ولا تفعل شيئًا لا يفضلونه. 

هل يعني هذا أن علي تقديم المساعدة لأكون متعاطفًا؟ 

يمكن أن تظهر السلوكيات الناتجة عن التعاطف بأشكال مختلفة، وقد تتضمن مساعدة الآخر على حل مشكلته أو قضاء حاجته، ولكنها لا تقتصر على ذلك. يمكنك أن تتعاطف معه بالبكاء دون أن تقول شيئًا، كما فعلت المرأة الأنصارية عندما بكت مع السيدة عائشة رضي الله عنها: “اسْتَأْذَنَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأنْصَارِ، فأذِنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي” رواه البخاري.  أو يمكنك أن تجلس بصمت بجواره لبعض الوقت، أو أن تعبر عن دعمك بأفعال ملموسة بسيطة، كما في وصف كعب بن مالك رضي الله عنه: “قام إليَّ طلحة بن عبيد الله يهرول، حتى صافحني وهنأني، والله ما قام إليّ رجل من المهاجرين غيره، ولا أنساها لطلحة” رواه البخاري ومسلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنان × ثلاثة =

تعليق واحد

  1. الدانهsays:

    ممكن توضيح أكثر لموقف السيدة عائشة والموقف الأخير من السنة النبوية .

Join our mailing list

Be the first to know about our new products and promotions and enjoy the enriching weekly newsletters.