Join our mailing list
Be the first to know about our new products and promotions and enjoy the enriching weekly newsletters.
Last Update يوليو 27, 2023
محاولة لفهم طبيعة العلاقات العائلية في العالم المُعاصر
تنويه:
هذا الدليل يُعنى بالخلافات الشائكة في إطار العوائل الآمنة بتعريفها المعقول. هذا الدليل لا يُعالج أي سلوكيات تصدر من الوالدين فيها ايذاء/عنف جسدي، وعاطفي واضح. استخدام الدين والنصيحة لشرعنة وتبرير العُنف مرفوض في أي سياق وخصوصًا ضمن سياق العائلة التي تُعد مصدرًا للفرد وأمانًا له.
مقدمة:
للتو عُدت إلى منزل العائلة بعد أن كُنت مُبتعثًا في الخارج للدراسة، ربما تكون هذه العودة بعد عقدٍ من الزمان أقل أو أكثر. / أو ربما تكون ممن لم يدرس في الخارج لكنك تعود إلى منزل العائلة كل يوم من عالمٍ خارجي مُختلف تمامًا عن العالم داخل هذا المنزل، فأنت الآن مُوظف في شركة أو كيان حُكومي لك احترامك وسُلطتك وسيطرتك: ترتقي وظيفيًا، تعرف تمامًا كيف تُفاوض عن نفسك وتعرض أفكارك، هناك من يستمع لك بفضول وباحترام، أو ربما بالاضطرار. لكنك تملك أذانًا صاغية.
في كل الحالتين تعود إلى منزلك لتجد والديك يستقبلانك بقائمة طويلة من الملاحظات الأخلاقية والدينية التي تخص الطريقة التي تعيش بها، تجد والديك مستعدين لإقناعك بأن الحياة -التي للتو عُدت منها شاعرًا بالفخر والانجاز- ليست أفضل حياة من الممكن أن تعيشها. فأنت وجيلك لا تعرفون كم هو مهم أن يلتزم الفرد بقيمه ودينه، انت وجيلك سيدفع ثمن هذا التهاون القيمي والديني الذي تعيشونه. وسلسلة طويلة من التحذيرات التي بإمكانها أن تسلبك احساسك بالفخر والانجاز وتستبدله بمشاعر من الضيق والغضب والاحساس بالدونية.
انت وأنا وهذا الجيل بأكمله يعيش حالة تاريخية استثنائية لم يمرّ بها جيل آبائنا ومن المحتمل جدًا أنه لن يمر بها جيل أبنائنا. هذه الحالة هي أننا الجيل الوحيد الذي شارف أو يعيش الثلاثينات من عمره في منزل العائلة. في نفس عُمرك كان والدك ووالدتك قد كونّا منزلهما الخاص وبدأوا عائلتهما الصغيرة، وكانا مسئولين عن اتخاذ قراراتهم الخاصة بدون تدخل مباشر وكبير من أي أحد. على عكسك تمامًا، فهما في الغالب من الجيل الذي انفصل مبكرًا عن منزل العائلة الكبير وذلك للانتقال لمدينة أخرى لطلب الرزق أو الدراسة. فالكثير من الزحف الداخلي للمدن أو الابتعاث الخارجي حدث في السبعينات الميلادية.
أمّا أنت لا تعرف ماذا تفعل في حياتك معهم: تعيش في الصف الأول للدراما العائلية لوالديك، وفي الغالب المُستقبل الأول لرسائل الانتقاد وملاحظات الفحص الديني، ومُطالب بأن تفعل ذلك كله بابتسامة عريضة وقبول تام وإلاّ فالأمر غير مفهوم تمامًا.
هذا الدليل مُحاولة لفهم وإعادة تعريف شكل علاقتك بوالديك في هذه المرحلة الجديدة من حياتك، مُحاولة للأخذ بهذه العلاقة لما هو أبعد من الانتقاد والنُصح، للعناية بهذه الرابطة المُقدسة والجميلة والعودة بها لتكون مصدر للأمان والطمأنينة من جديد.
أولاً: حُب بلا مسئوليات ولا ضغوطات
ربما من المُفيد قليلاً أن نتأمل السياق الذي نعيشه في هذا العالم المُعاصر المفعم والمحموم بصناعة الأنا. لنبدأ هذا الدليل بالتوقف لفهم الهواء الذي نتنفسه كل يوم انا وأنت وكل من يُشاركنا هذه الحياة بنسختها الحديثة، حتى نتمكن من فهم مشاعرنا وسلوكياتنا داخل عائلاتنا ومع أقرب الناس لنا – أمهاتنا وآبائنا- .
أنت استيقظت في عالم تتحمل فيه بشكل كامل عبء تكوين، وتعريف، واكتشاف، وتطوير، وترميم ذاتك، عليك أن تختار وتتحمل تبعات اختيار كل شيء من تخصصك ووظيفتك وشريك حياتك إلى هواياتك ونظامك الصحي، مرورًا بقيمك وصداقاتك وأفكارك التي تعتقنها وبرامجك التي تشاهدها من عدد غير محدود من الخيارات. هذا العالم ربما كانت بداياته البسيطة تتسرب تدريجيًا في بداية حياة أمك وأبوك المهنية لكنك الآن أنت تعيش أعظم وأشد تجلياتها. عالم عبادة الأنا وصناعتها. تخيّل بأن العالم الذي تظن أنه هو الوضع الطبيعي والتلقائي لم يكن كذلك سابقًا، هُناك عالم آخر لم يكن يتمحور حول الذات والأنا وإنما كان البشر يعيشون أنظمة ممتدة بشكل طبيعي. كان الفرد يعيش ضمن منظومة تتحمل عنه عبء اتخاذ بعض من هذه القرارات أو كلها. هذه المنظومة كانت مكونة من عناصر دينية واجتماعية وثقافية، وكان الفرد لا يشعر بأي حرج لكونه ينتمي لها ويخضع لقوانينها، بعكس اليوم اذا استسلم أيّا منا في قراره لأي مؤسسة خارج ذاته فإنه يُعد مسلوب الإرادة ومنتهك الحقوق.
لذلك كيف يُمكن للفرد أن يجد نفسه في علاقة مع الآخر في هذا العالم؟ هذا السؤال الذي تكلم عنه الكثير من علماء الاجتماع والنُقاد للحياة الحديثة ومن أشهرهم العالم الألماني زيجمونت باومان في سلسلته الشهيرة عن الحياة السائلة وفي كتابه الحُب السائل. كيف يُمكن للفرد أن يكون مُلتزمًا تجاه مُجتمعه وأفراد عائلته اذا كان تعريفه لنفسه وإحساسه بذاته سائلاً ومُعرضًا للتغيير وللفحص والبناء مرة بعد مرة؟
لذلك أنا وأنت وجيلاً كاملاً معنا يختبئ تحت شعارات كالحُب الغير مشروط، والاستقلالية، والفردانية، والعناية بالذات لأنها أكثر الشعارات منطقية في هذه الحياة الصعبة. نعم بعد يوم كامل من السباق المحموم لتحقيق هذه الذات والوصول بها إلى أرض الشغف والأحلام البعيدة تُريد أن تعود لوالدين يتفهمان هذا الإرهاق، ويصفقان لمحاولاتك، ويدعمان قرارتك وانجازاتك. من المنطقي أن تكون غير قادر على سماع أي شيء يخدش أو يشكك في طريقة حياتك لأنك وصلت لما وصلت إليه بعد صراع طويل مع ذاتك واحساس مقلق بالضياع وها أنت الآن بالكاد تشعر بالرضا، فالرضا هذا مفهوم غريب ويُعد بعيد المنال. لذلك تشعر بأنك تُريد أن تهرب من عائلتك وتفكر مليًا كيف يُمكن أن أخرج من منزل العائلة من دون أن أدخل في سجن علاقة عائلية أخرى ألا وهي الزواج. كيف يُمكن أن أتمتع بحب أمي وأبي الذي أحتاجه كثيرًا، من دون أن أكون معرضًا لانتقاداتهم ولمعاييرهم الاجتماعية أو الأخلاقية أو الدينية؟
أحيانًا تشعر بالغضب يعتريك بهذا الشأن، شيءٌ ما بداخلك يشعر بالإهانة لكونك ما زلت تدخل في صراعات مع والديك وكأنك مُراهق، لكن لا تعرف ماذا تفعل بهذا الغضب إنه بداخلك كإعصار، أما في الخارج فإنه يتجلى في شخصية ضيقة ومتململة جدًا تُحارب نفسها قبل الآخرين. لماذا لا أتقبل انتقاداتهم بسعة، ولما لا يتوقفون هم عنها ببساطة؟ هذا السؤال الذي يؤرقك وربما أخذته معك إلى غرفة المُعالج النفسي الخاص بك لكن هذا الوجع الذي يُحيط علاقتك بوالديك لم تجد سبيلاً للخلاص منه بعد.
ربما لأن كل ما عليك فعله هو أن تتعايش مع حقيقة مُرّة واحدة ألا وهي أن كل العلاقات الحقيقية والتي لها قيمة ملموسة في حياتك وصحتك النفسية على المدى الطويل هي علاقات صعبة وليست سهلة. كل العلاقات الجوهرية التي من خلال صراعاتها وحلّوها ومرّها نكتشف أنفسنا هي علاقات فيها قدر عالي من التضحية بالذات. لا يُمكن لأي منّا الفكاك من هذا النكد الذي ندفعه ثمنًا للأمان والعُزوة والدفء الذي نشعره في أحضان عوائلنا الصغيرة والممتدة. هذا جُزء من المعادلة الصعبة الذي عليك أن تتسامح معه. يُمكنك بالفعل أن تتخلص من أي شيء يُزعجك في هذه الحياة الغريبة، والسائلة، والمُتحررة إلاّ من أهلك وأحبابك. لأنك اذا تخلصت منهم، ستستبدل آلام الارتباط بهم بأوجاع فقدهم، فأنت فُطرت على أن ترجع دائمًا لعائلتك.
ثانيًا: العيش داخل المتناقضات/المفارقات.
النقطة السابقة تقودنا لهذه النقطة المُهمة، ألا وهي القدرة على العيش في طيف متدرج بدلاً من الاختيار بين أحد القطبين. فجُزء من تحديات العيش في العالم المُعاصر هي التطرف في الانحياز لقطب مُعين دون آخر. نحن نظن بأننا متسامحين أكثر من آبائنا وأمهاتنا لكننا في الحقيقة مُتطرفين بشكل آخر. فالعالم من حولك يُجبرك على أن تتخذ موقف من كل شيء/ وأي شيء. يجب أن تقرر هل أنت نسوي، أم مُحافظ؟ هل انت نباتي، أم آكل لحوم مُتوحش؟ هل أنت صحي ورياضي، أم أنك من حزب الكنبة والنتفليكس؟ وغيرها سلسلة من الأسئلة المتفاوتة في الأهمية والصعوبة حتى ترتطم بأسوأها وأصعبها ألا وهي هل أسكت اليوم أمام أمي وأبي أم أنفجر وأضع حدًا لهذا التنمر الذي يمارسانه علي؟
هذه الأسئلة تُهاجمك صباحًا وتباغتك قبل أن تنام وتجد لنفسها صيغًا مختلفة وزوايا أكثر تعقيدًا فمثلاً تجد نفسك يومًا ما أمام سؤال يُشبه السابق لكنه يُعرض عليك بطريقة أذكى هل سأكون من الأقوياء الذين يضعون حدودًا للناس، أم سأكون من الضعفاء الذين يتعرضون للدهس ممن حولهم بشكل مستمر؟ أو يأتيك من زاوية أخرى متى سأتخلص من سماع صوت أمي في ذهني وأصبح أتمتع بسماع صوتي وحدي؟
الحقيقة هي أنك لست مُضطر أن تختار دائمًا بين إمّا أو، ويمكن أن تعيش حياتك بهما معًا. أنت لست شجرة أو قطة، أنت انسان مُعقد قادر على أن تحمل متناقضات بداخلك. قادر على أن تعيش في المُنتصف بدون تطرف. يُمكن أن تكون ممن يضع حدودًا للآخرين، وفي ذات الوقت يصبر على والديه عندما يكونان بحاجة للتعبير عن رأيهم المخالف لك. يُمكن أن تكون قويًا في بعض الأحيان وضعيفًا في أحيان أخرى. يمكن لعقلك أن يسمع صوت أمك وصوتك معًا. يمكن أن تكون إنسان حُر ومنطلق في الحياة، وفي ذات الوقت تختار أن تُقيدك عائلتك ببعض الواجبات وفي بعض الأوقات. الأمر ليس إما أبيض أو أسود، ليس إمّا النصر أو الهزيمة هُناك طيف من أنصاف الحلول التي تُعد مقبولة ومستساغة. وقبولها يُعد الطريقة الوحيدة لعيش حياة صحية وثرية بالحُب وبالعلاقات المفعمة بالمعنى أو على الأقل هذا ما تُروج له الباحثة البلجيكية الأمريكية استر بريل التي تقول بأننا في أي علاقة علينا القبول بأننا نعيش صراع حتمي بين فكرتين متناقضة، فكرة أنك بحاجة للأمان والدفء الذي تقدمه لك علاقاتك العائلية، وأنك بحاجة أيضًا إلى الانطلاق واكتشاف الحياة وتحقيق ذاتك. وأن أحد الفكرتين ستتغلب على الثانية بين الحين والآخر ثم تعود لتعطي الفرصة للأخرى لتأخذ مساحتها من السيطرة.
هذه أقرب صورة واقعية لأي حياة ستختارها سواء الآن التي تعيشها مع والديك، أو غدًا مع شريكــ/ــــة حياتك. حياة ناقصة وغير مُريحة أحيانًا لكنها غنية بالمعنى والحُب والأمان. لأنها ببساطة مؤقتة ولن تنتهي هُنا، فالحياة الحقيقية في الآخرة – أوبس – هذه أيضًا أحد الحقائق التي يُريدك العالم المُعاصر أن تنساها.
!ثالثًا: تخيل والداك بشر
في عُمق صراعاتك مع والديك هُناك إحساس عميق بالحُزن والأسى: الحُزن بأن النُسخة التي تراها من والديك لا توافق النسخة التي تتمناها وتتوقعها منهم. هُناك فجوة بين الوالدية الجيدة التي رسمتها كراشد وبين الوالدية التي يمارساها. هُناك طريقة مثالية وأكثر تحضرًا في النُصح والإرشاد والارتباط بالأبناء مرسومة في ذهنك لا تتوافق مع الطريقة التي يتعاملان بها.
هناك خيبة أمل مؤلمة في كل مرة لا يستطيع فيها والديك أن يكونوا الأم و الأب الذين تحتاجهم أن يكونوا لك. هناك احباط مُزمن يتولد عن اخفاقاتهم المستمرة في أن يتعاملوا معك بطريقة تحترم نفسيتك وبشريتك. انت لا تُريد الكثير، كل ما تُريده هو والدين قادرين على التعبير عن حبهم لك بطريقة مختلفة عن الصراخ والانتقاد المستمر.
وربما عند البعض هذا الحُزن يكون نابع من إحساس بالفقد مؤلم خصوصًا إذا كانت علاقتك بوالديك في الصغر جيدة. فأنت تمتعت معهم بطفولة رائعة واستثنائية لكن الآن لا تشعر بأن والديك كافيين لأداء دور الوالدية لك. هُناك لحظة فقد مؤلمة يتعرض لها الكثير من الأبناء حين تُقلب الأدوار بينهم وبين والديهم. اللحظة التي تنظر فيها إلى والديك فترى بشريته المحدودة والناقصة دون أن ترى والديته والبطولة والحكمة التي كانت تُغلفها. كل الهالة التي كان تُحيط بهم، تختفي تدريجيًا فتبدأ آرائهم تصلك مُجردة من القُدسية وعارية من أي حصانة. تشعر بأن والدك/أو والدتك ليس ندًا لك فحسب وإنما أقل منك بحُكم عدم فهمهم للواقع والجيل الجديد. تؤلمك أخطائهم وتصرفاتهم القاصرة معك ومع من حولك بشكل مُضاعف وقد يكون مُبالغ فيه ليس لأنك حساس أو مُتمرد أو تُعاني من صبيانية مُخجلة، وإنما لأن هذه الأخطاء مُغلفة بإحساس بالفقد عميق. أنت تُودع نُسخة من والديك وتُرحب بأخرى. أن تتألم لأنك اكتشفت للتو بأن البطل الذي اختبأت تحت ردائه طوال سنوات عُمرك ما هو إلاّ بشر يُخطئ ويجرح ويتمادى ويُقصرّ. أنت غاضب لأن مصدر الأمان الذي عشت عُمرك بأكمله تحتمي به ما هو إلا قلب معطوب ومصدوم ويتعافى من جراح مُزمنة.
يؤسفني أنك تمرّ الآن بصدمة اكتشاف أن والديك بشر، للأسف بشرية آبائنا وأمهاتنا تُزعجنا كثيرًا وتزيدنا هشاشة، لكن عندما ينكشف لك الغطاء ويبدأ قلبك في تقبل هذه الحقيقة سيسهل عليك أن يتحول غضبك إلى تعاطف، وستبدأ تصبح أقل حساسية في كل مرة يهاجمك والدك أو والدتك أو ينصحك بطريقة فجة. عندما تتعافى من هذه الصدمة سيمكنك حتى أن تتخطى فكرة أنهم مسئولين عن عافيتك النفسية وربما ستكتشف حكمة الله في أن يكونوا بشرًا لتبدأ أنت بشق طريقك الخاص إلى الله فهو الرب المُتعهد بتربيتك وبالعناية بك. هو الرب الوحيد لك منذ أن ولدت وحتى الآن.
رابعًا: اختر الصراع كفعل حُب
يبدو الهرب خيارًا مُغريًا ومنطقيًا في كل مرة تدخل فيها في صراع مع والديك. أن لا تُريد أن تبتعد لأنك تكره والديك وإنما لتُحافظ على ودك معهم. فأنت تشعر بأن البر بهم أصبح يشكل تحديًا كبيرًا لك وأنك بُقربك منهم بشكل متكرر يُخرج أسوأ صورة منك. تفكر كثيرًا في أن تخفف من رؤيتك لهم، ومن صلتهم. لكن ماذا لو كانت صورة البر المطلوبة منك في هذه المرحلة من عمرك مُختلفة عن صورة البر النمطية؟
ماذا لو كان البر هو أن لا تهرب من صراعاتهم، وأن تسمح لهم أن يُمارسوا والديتهم بالشكل الذي يُشعرهم بأهميتهم كأم وأب؟ ماذا لو حفظت لهم حق الاختلاف عنك؟ أن يكون حُبك لهم دافعًا لك لتسمع من والدك مُحاضرة طويلة عن أضرار التدخين؟ أن تعرف بأنك ستفعل في النهاية ما تُريد وهو يعرف ذلك لكن هذا النقاش بينكما هو طريقتك في أن تُخبره بأنك ما زلت تهتم به، و في أن تؤكد له بأنه ما زال والدك.
ماذا لو ابتسمت في وجه أمك في كل مرة تعاتبك بعبارات ك(الله يهديك كم أنت متهاون في صلاتك) وتقول (آمين بالفعل الله يهديني) بدون أن تُحمّل هذه النصيحة أي حمولات عاطفية وبدون أن تفسرّها أي تفسيرات جانبية؟ هي فقط دعوة بالهداية، ليست رسالة لحب غير مشروط ولا خيبة أمل مغلفة في نصيحة. تقبلها كما تتقبلها من جارك العابر الذي قابلته في مطعم فدعا لك ولجيلك بنفس الدعوة وقال الله يهديكم جيل مفرط.
لا تُطالب نفسك بصورة وردية للبر والانصياع التام والسمع والطاعة الكاملة، وإنما طالب نفسك بأن تبقى متواجد في هذه العلاقة المعقدة. بأن لا تنسحب فتزداد خسارة والديك أضعافًا مضاعفة. ذكرّ نفسك والديك يُريدونك وإن كانت لديهم أمنيات بنسخة أفضل منك، لكنهم غير مستعدين لخسارتك بشكل كامل. حاول أن تبدأ علاقة جديدة معهم علاقة لا تتطابق فيها قصتكم عن الحياة، وعن الحق، وعن الخير، وعن المخطئ والمحق. ليس هُناك أي جدوى من أن تقنع أبوك/ أمك أنك مُحق أو أنك على صواب، أو أنك شخص مسئول، ولا داعي من أن تبيع لهم قصة أنت بطلها. هذه محاولات قد تكون لا أمل فيها ولا جدوى منها. يمكنك أن تعيش معهم بدون أن تتطابق سردياتكم فأنت الآن راشد وهما أشخاص راشدين وكلاكما تحتاجان لوجودكما معًا في علاقة واحدة. حان الوقت للتصرف على هذا الأساس.
خامسًا وأخيرًا: الطريق إلى الله قد تحجبه ذاتك.
في هذا الدليل والدليل المُصاحب له الموجه للوالدين تم التركيز/أو الافتراض بأن أحد مواضيع الصراع التي تدور بينك وبين والديك هي القيم والدين. ربما يكون الأمر دقيقًا في حالتك وربما يكون لا. ربما تكون أنت أكثر التزامًا من والديك، أو ربما يكون اختلافكما على مسائل مُختلف فيها شرعًا من الأصل. أيًا كانت حالتك، ربما من المفيد لي ولك ومن الجدير بالتذكير هو أن نعي أدورانا الآن في السلوك في طريقنا الخاص إلى الله. أنت الآن راشد لا يُمكن أن تسمح لطريقة والديك في النقد أن تكون حجابًا بينك وبين الحقيقة. لكل شيء تاريخ صلاحية، واستخدام والديك كعُذر لتبرير قراراتك الدينية والأخلاقية عذرًا منتهي الصلاحية.
أنت مُكلف بأن تجد طريق العودة إلى فطرتك، وإلى خيريتك التي وُلدت بها مهما كانت رحلتك صعبة، ومهما كان والداك السبب في ابعادك عن النور، وعن الله، وعن الخير. عليك الآن أن تأخذ بزمام نفسك وتدّلها إلى الله. هذه رحلتك الآن، لا رحلة أحد سواك. مشروعك الخاص لا مشروع الآخرين والمُجتمع. انتبه أن تكون نفسك واحتياجاتها وراحتها صنمًا تعبده دون أن تدري.
لذلك المرة القادمة التي ينصحك فيها والديك بالصلاة، أو بالتوقف عن تضييع وقتك في شيء ما، أو بالكف عن التدخين أو الشُرب أو عن الخروج بلباس غير لائق شرعًا، لا تُعارض بقوة وتُدير ظهرك للحقيقة فقط لأنها جاءت منهم. توقف وأسأل نفسك:
أتفهم بأن التخلص من جراح الطفولة والجِراح العائلية صعب للغاية فلا يوجد ما هو أكثر إيلامًا ولا وجعًا من أخطاء المحبين. لا أهدف هُنا للتقليل من أوجاعك وآلامك، ولا حتى لحثك على تجاهلها بل على العكس أنا أشدد على ضرورة العناية بجراحك وعلى ضرورة السماح لنفسك بأخذ الوقت في علاجها، لكن من المهم أن تكون واعيًا لآثارها على اختياراتك وخصوصًا الدينية.
أسأل الله أن يكفلك بعنايته وأن يغمرك بحنانه وأن يُطبب جراحك بلطفه وأن يداوي أوجاعك بحبه وأن يجعل دربك مملوءًا بالنور وأن يهبك نورًا في سمعك وبصرك وقلبك وخطاك.
المراجع:
Be the first to know about our new products and promotions and enjoy the enriching weekly newsletters.
17 تعليق