هل وصمة العار هي ما يقف بيننا وبين الصحة النفسية؟
- في كل عام في أكتوبر في شهر التوعية بالصحة النفسية والعقلية تكثر المنشورات الساعية لمُكافحة وصمة العار المُصاحبة لزيارة الطبيب/ أو الأخصائي النفسي. وهذه المنشورات مازالت مُهمة لأن وصمة العار مازالت حقيقية حول العالم لأسباب تختلف بعضها يعود لنقص الوعي المُجتمعي والبعض الآخر لوجود أفكار مُضادة ومسمومة تضر بشكل أو بآخر بمجال الصحة النفسية
- لكن وصمة العار لا تُعد السبب الوحيد خلف تأخر الفرد أو امتناعه من الحصول على الرعاية النفسية المُناسبة وإنما تقف (القدرة المادية) كعائق أساسي وحقيقي في وجه الراغبين الجاديين للتحسين من صحتهم النفسية.
- من المُهم جدًا أن يتوجه خطابنا الثقافي نحو معالجة قضية ارتفاع الكلفة المادية للحصول على رعاية نفسية/ عقلية جيدة حتى نبدأ بشكل جاد لتفتيش عن حلول تُنصف الممارسين المختصين كما تضمن اتاحة هذه الخدمات المُهمة لأكبر شريحة ممكنة في المُجتمع.
- غلاء أسعار الخدمات النفسية/ العقلية يُعد مُعضلة مُعقدة وليست بالتسطيح الذي نظنه والذي نقوم بتناوله في نقاشاتنا العابرة. فعادةً المختصين في المجال يُحاولون حلّ هذه المُعضلة بالقول بأن القضية هي ترتيب أولويات مادية لا أكثر، بينما المُجتمع يُحاول إيجاد الحل في شيطنة المُختص ومحاولة امتصاص أكبر قدر من ساعات التطوع والخدمات المجانية منه. وفي الحقيقة أن كلا النظرتين قاصرة وينقصها العُمق في الطرح.
- فلنأخذ مثلاً بالتحديد عملية -الارشاد النفسي – ، فإن المعضلة تكمن فيها بأن هذه العملية تتكون في أصلها من عناصر لا يُمكن وضعها في قالب تجاري مُربح للجميع. فعملية الإرشاد النفسي ليست كأي خدمة طبية أخرى مهما ارتفعت تكلفتها فإنه بإمكانك ادخار المبلغ أو اقتراضه في مدة معينة للحصول عليه. وإنما عملية طويلة قد تستغرق سنوات ولا تقل عن ١٢ جلسة هذا ما يجعل الالتزام المادي فيه صعب وطويل. ومن ناحية أخرى فإنه من الصعب أتمتة العلاج النفسي فالمعالج النفسي هو الأداة الوحيدة في هذه العملية والأداة التي لا يوجد أي تنبؤات مستقبلية باستبدالها بآلة. المُعالج النفسي وعافيته النفسية وعافية عائلته واستقرارها على المحك في عملية الارشاد النفسي لذلك المعالج النفسي يستحق ما يطلب وإن كان عالي الكُلفة على العميل.
- لذلك دعم القطاع الحُكومي والقطاع الخاص والقطاع غير الربحي مُهم في ضمان إتاحة هذه الخدمات لأكبر شريحة من المُجتمع. من المُهم أن يتحمل هذه المسئولية جميع المؤسسات ولا تُرمى على عاتق المُختص الذي يُعاني الكثير من أجل أن يُرضي ضميره من ناحية وأن يوفرّ مصدر دخل كريم من ناحية أخرى. من الضروري أن يتم ذلك على كافة الأصعدة أي على المستوى التشريعي والمستوى المؤسسي والمستوى القانوني.
نقاش كهذا يجب أن يتم بشكل جاد ومطوّل لا تسعه منصات التواصل الاجتماعي. هذا المنشور لا يُقدم الحل كاملاً وإنما يأمل بأن يقدح الشرارة الأولى ويُحفز الحالمين في مجالات الصحة العامة والصحة النفسية للعمل نحو مستقبل أكثر عدالة وكرامة. كما أن الهدف منه تحقيق نوع من الفهم والوعي المُجتمعي بخصوص معوقات التي تقف بين الفرد وبين الحصول على خدمات نفسية وعقلية.
لا توجد تعليقات