ولو عشقت، اعشق قمر

post Image>

لماذا؟

وحدي أنا، لا أجد الحب؟ ليس في عينيك، ليس في كلماتك،وليس بيننا..

أين يذهب الحب، حين يختفي من قلبي؟ وأين يذهب البريق حين يختفي من عينيك؟

هل يمكن لإشراقك أن يكون أبدي؟ هل يمكن أن تستدام بهجتي بين يديك؟


اعتدنا أن نحتفل بالجانب المشرق من الحب. الجانب المُضيء وحسب، وكأننا لا نسمح لعملية هذا الاشراق أن تأخذ مساحتها الفطرية ووقتها الكافي لإكمال دورة نموها. وكأننا نخاف من نوبات الانطفاء والاختفاء. فما الذي يجذبنا للكمال والمثالية؟ وما الذي يخيفنا من تقبُل التغيير والنُقصان؟

في دعوة لعشق الكمال والجمال يقول المثل الشعبي: “لو سرقت اسرق جمل، ولو عشقت اعشق قمر”. مع اعتراضي على مضمون المثل، إلا أنه يلهمني بتشبيه الحب بالقمر الذي ينخرط في مسارات من العلاقات، الأولى بينه وبين نفسه، والثانية بينه وبين الكواكب الأخرى، ويضل في حركة مستمرة وتنقّل من مرحلة لأخرى حتى يكتمل الشهر القمري. ثم يعيد الدورة من جديد في تفاعل لا يتوقف.

الحب كالقمر يدور في مسارات متعددة منها:

  • التفاعلات النفسية بين الشخص وذاته. هذه التفاعلات فيها الكثير من الأفكار والمشاعر التي تكونت عبر الزمن في إطار العقل والنمو والتكوين النفسي والبيولوجي.
  •  التفاعلات مع العالم الخارجي سواءً مع الأشخاص أو المؤسسات الاجتماعية والوضع الاقتصادي والثقافة والدين. نحن في تفاعلات مستمرة لا تتوقف والحب يأتي ويتكون أثناء هذه التفاعلات ومن خلالها، فلا يمكن له أن يأتي مستقلًا عنها بطريقة مُفاجئة ثُم يختفي.

لذلك الحب له مراحل نمو ودورات يمر بها. لا يُقصد بعلاقات الحب أن تكون مُجرد متعة محضة، إنها أيضًا أماكن لقاء متوازنة تتيح لنا هذه المساحة تقييم ذواتنا وتقييم الآخر وتقييم العلاقة. الحب يسمح لفترات الاسترخاء وإعادة شحن الطاقة أن تأخذ مجراها من دورة العلاقة، والحُب الحقيقي يفهم أنه لن يكون في حالة توهج أبدي.هو ليس تجربة مثالية ومطلقة إما أن تصل فيها المشاعر لأقصاها أو لا تكون على الإطلاق.

الحب كذلك يحدث بين الأشخاص والأشياء والأماكن والخيالات والتجارب.. الخ. أن نقول إما أن نعيش الحب كله أو نتركه بأكمله فكرة يكمُن خلفها الكثير من المخاوف، كالخوف من النقصان والخسارة والتعامل مع المجهول، وليس خوفاً من الحب ذاته. ولا فكاك من هذه المخاوف لأنها جزء من التجربة البشرية التي قد نختبرها في تجارب أخرى غير الحب، ولكن بعض الأحيان يصعب تسميتها لاختلاطها بمشاعر أخرى.

كمتخصصة في العلاج النفسي، ألاحظ الكثير من الخوف والألم والتجنب عندما يشاركني العملاء تجاربهم مع الحب. في الغالب، لا تكون حادثة واحدة مؤلمة هي التي تدفع الناس للجلسات العلاجية بل الوقوع في نمط متكرر من الشعور بالإحباط والمعاناة التي تؤثر على حياتهم بشكل كبير. يأتي الناس إلى العيادة بتساؤلات تلامسهم بعمق وتسبب لهم الخوف والقلق مثل:

  • هل يحبني أم لا؟
  • إذا كانت تحبني، فلماذا تتصرف بهذه الطريقة؟
  • لماذا لم أعد أشعر بالحب؟

فيما يلي بعض الملاحظات عن مفهوم الحب الذي استخلصته من تجربتي في العمل بالعيادة:

1. نعتقد أن للحُب شكل واحد فقط

في كثير من الأحيان، نتحدث عن الحب وكأنه شيء واحد ويجب أن يظهر في حياتنا بشكل محدد ومرسوم بطريقة ومعايير مُعينة، مع أن الحب له أشكال لا متناهية ويتحدث لغات عديدة. فكرة أن الحب له شكل واحد وطبيعة واحدة فكرة مخيفة! فكرة خائفة أيضًا وعنصرية جدًا ولا تقبل التنوع ولا تسمح بالتغيير وتحب الحسم القاسي فإما أن يكون الحب بطريقة محددة أو لا يكون.

مثال: اعتقاد (أ) بأن (ب) يجب أن يهتم بترتيب المنزل ليثبت أنه يحب (أ) وفي حال أن (ب) أهمل المنزل، فهذا بالنسبة لـ (أ) مؤشر على عدم الحب.

المشكلة في المثال السابق هي أن (أ) حصر الحب في صندوق ضيق ولم يتِح المساحة له ولـ (ب) بأن يستمع للحب ومؤشراته المختلفة. اعتقد (أ) أن الحب إما أن يكون بتقديم الخدمات أو لا يكون وقد يكون هذا ما تعلمه عن الحب في حياته! الحب أوسع وأعمق من أن يكون بشكل واحد فقد يظهر على شكل كلمات أو قضاء أوقات ممتعة أو تواصل جسدي أو تقديم خدمات أو تقديم هدايا… الخ. هذه الفكرة ذاتها تحثني على التفكير في التساؤلات التالية والتي من المُهم أن يُجيب عليها كُل شخص مع نفسه ليتمكن من تفكيك اعتقاداته عن مفهوم الحُب:

  • ما الذي تعلمناه عن الحب من عائلاتنا؟
  • ما الذي نستمر في تعلمه عن الحب؟
  • كيف ننقل ما تعلمناه/نتعلمه لعلاقاتنا العاطفية؟
  • ماهي المساحة المتاحة للحب في حياتنا ليظهر على طبيعته؟

2. نعتقد بأن الخلاص الأبدي لكُل الآلام يكمُن في الحُب

في بعض الأحيان، نتحدث عن الحب وكأنه المنقذ من المشكلات، وكأنه الخلاص من الآلام. ننظر للحب فنقول الحب لا يؤلم، والحب يجلب السعادة والحب ينسينا الماضي. وكأننا نتحدث عن عملية تجميل نرمم بها التشوهات ونغطي بها العيوب وليس عن إحساس يتكون وينمو ويمر بالمد والجزر والصعود والهبوط. من الأمثلة المتكررة هنا الإقدام على الزواج للهرب من بيت الأهل ومشكلاتهم، وكأننا نهرب من كيان مُعقد من العلاقات والتفاعلات والمشكلات إلى كيان جديد وعلاقة جديدة. نريد من الزواج أن ينسينا الماضي، وعندما تبدأ المشكلات بالظهور في الزواج نبدأ بالانهيار لأننا أردنا للزواج أن يكون البلسم لجراح الماضي فقط! الزواج والعلاقات الأسرية تمر بالصعود والهبوط. الهرب من مواجهة التحديات في علاقة محددة لا يعني نهايتها بل يعني تأجيل ظهورها في وقت لاحق وربما في علاقات أخرى.

المُتعة = الحُب، مُعادلة غير واقعية

ختامًا، المُتعة والأُنس جزء واحد من معادلة الحب. الحب يحتاج لرعاية من جميع الأطراف ليستمر. رعاية الحب أيضًا ليس لها قالب موحد، فلكُل علاقة حُب طبيعتها وظروفها واحتياجاتها المتفردة. الحُب يحتاج الانفتاح والمساحة الآمنة لينمو وينضج. عندما نقيد الحب بتوقعات جامدة ومحددة سينكمش ظهوره في حياتنا. الحب ليس شيئا واحدًا وليس له طريقة محددة فهو يختلف باختلاف علاقاتنا وظروفنا. وبالتأكيد الحب ليس له يوم واحد للاحتفال به، فهو يعيش معنا طوال العام لنتذكر تفاصيله الصغيرة ولنتفهم مراحل نموه وتغيّره.

Photo by Lisa Fotios from Pexels

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة × 2 =

تعليقان

  1. مريم عمرانsays:

    الحب مجرد من التوقعات والحدود الالزامية الحُب شيء مطلق .. حبّ الشخص مثل ماهو و اذا ألتقى بأحد ماله مصلحة فيه يبدأ يشكك بنواياه لمَا هو هكذا معي وش يبي مني وش الفايدة منه و…و …. / فيه نقطة افكر فيها و اعتقد ان كثيرين ممكن فكروا قبلي ليه نخاف من علاقة اذا حسينا اننا بسرعة انجذبت الشخص ما ويصير يقول لنفسه ليه صرت كذا بسرعة بينما هو مرتاح جداً وشايف انه من يبحث عنه هذا هو و أيضا ممكن يكون داخل علاقة من قبل استمر فيها وقت طويل حتى يكتشف انه مع شخص خطأ ما يناسبه فتلاقيه يشكك بالعلاقة اللي صار فيها بسرعة ( بمبدأ اللي يجي بسرعة يروح بسرعة ) أنا لا أومن بهالمثل لان الفرص قد تأتي مرة وحدة ولا تتكرر .. شكراً على المقالة الرائعة جاءت بوقت مناسب جدًا

Join our mailing list

Be the first to know about our new products and promotions and enjoy the enriching weekly newsletters.